09 - 05 - 2025

وجهة نظري| خفة دم

وجهة نظري| خفة دم

بارعون نحن فى إخفاء مواجعنا، فى تجميل عيوبنا، فى رسم أقنعة نخفى بها ما يدور داخلنا من ألم، السخرية والنكتة والضحكة إحدى أشهر وسائلنا التى نجيدها لتجاوز كل ما نمر به من محن، أمام أتفه المشاكل وأمام أعتى العقبات نشهر سلاحنا الوحيد والذى ربما لانملك غيره، وللحق لم يخذلنا يوما ..نقاوم به مسؤولا ظالما . وآخر فاسدا وثالث جشعا، وندافع به عن أحلامنا المجهضة ونفوسنا المجروحة وقلوبنا المكسورة، نرفعه فى وجه المتكبر المتغطرس المغرور ونسخر فيه من ضعفنا وقلة حيلتنا وتخاذلنا، نواجه به قهرا وندارى به عجزا ونطلق به حلما، نسخر من أنفسنا ومن أزماتنا ومن ولاة أمورنا، نضحك من شر البلية، نقزمها نهونها حتى تتحملها قلوبنا المثقلة الحزينة، نعزى أنفسنا المفتقدة فى الغالب لجمال الملامح فندعى أن "الجمال جمال الروح"، وأن "الحلاوة كتير لكن الخفيف صدفة"، متجاهلين أن للخفيف أيضا نواقصه، وراء ضحكته فى الغالب قلق، حيرة، ضعف، تردد، وجع، انكسار، قلة ثقة، خوف، وربما انهيار وضياع، أو بركان من الغضب يحاول أن يخفى كل ذلك وراء إبتسامة ساخرة تنقلب لضحكة مجلجلة يزداد صداها كلما زاد ما فى القلب من ألم، ورغم قسوتها تظل مخرجنا الوحيد لتجاوز المحن والمؤسف أنها مخرج ساستنا ايضا للتنفيس عنا حتى لاننفجر غضبا وإحتجاجا وثورة، وكأنها سلاح ذو حدين وأحيانا تكون سلاحا فاسدا يرتد إلينا صمتا وقبولا واستسلاما لأمر واقع إجبارا، رغم رفضنا وإعتراضنا وكرهنا له، هى مؤشر جيد لمن يهمه الأمر .. ظهوره وتصاعده وتوهجه علامة مطمئنة، وخفوته وصمته وإندثاره علامة خطر منذرة.

خفة الدم مرهقة للباحثين وراءها وليست كما تبدو دليلا على السعادة والانبساط وتكبير الدماغ .. الخفيف فعلا صدفة لأنه أكثر هما وتحملا وبصيرة .. فإتقوا شر الخفيف إذا غضب.
 ----------------

بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

قانون الإيجار القديم .. لغم لا يحمد عقباه